صحة ودين

يوسف عليه السلام: ملحمة الابتلاء والتمكين في القرآن

تعدّ قصة نبي الله يوسف عليه السلام من أعظم القصص القرآنية التي تحمل بين طياتها دروسًا في الصبر، والابتلاء، والثبات على المبادئ، وصولًا إلى التمكين والنصر.

وقد جاءت هذه القصة في سورة كاملة، حملت اسمه، ونزلت في فترة عصيبة من الدعوة الإسلامية بمكة، لتكون مواساةً للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتأكيدًا على أن العاقبة للصابرين.

بدأت القصة برؤيا عجيبة رآها يوسف في منامه، حيث شاهد أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر ساجدين له، فأخبر والده النبي يعقوب عليه السلام، الذي أدرك أن هذه الرؤيا تحمل بشارة عظيمة، لكنه نصحه بألا يرويها لإخوته، خشية أن يحسدوه.

لم يمنع هذا التحذير الإخوة من إضمار الشر لأخيهم، فقد دفعهم الغل والغيرة إلى حبك مؤامرة للتخلص منه، فألقوه في بئر عميق، وعادوا إلى والدهم بادعاء أن الذئب قد افترسه، مستدلين بقميصه الملطخ بالدماء. غير أن يعقوب عليه السلام لم يقتنع بروايتهم، لكنه سلّم أمره إلى الله، متحملًا الحزن بصبر الإيمان.

لم يكن البئر نهاية المطاف، إذ مرّت قافلة تجارية، فانتشله أحد المسافرين، وباعه بثمن زهيد في سوق العبيد بمصر.

انتهى به المطاف في بيت عزيز مصر، الذي طلب من زوجته أن تعتني به. كبر يوسف وترعرع في هذا البيت، لكنه تعرض لفتنة عظيمة حين راودته امرأة العزيز عن نفسه، فرفض بثبات وتقوى. وعندما فشلت في إغرائه، ادّعت عليه الباطل، مما أدى إلى سجنه ظلمًا.

في السجن، برز يوسف عليه السلام بحكمته وأخلاقه، حتى صار محل ثقة السجناء، ومن بينهم شابان طلبا منه تأويل رؤياهما. أخبر أحدهما أنه سيعود لخدمة الملك، والآخر بأنه سيُعدم وتحقق ما قاله، لكن الشاب الناجي نسي أن يذكر يوسف عند الملك.

مرت سنوات حتى رأى ملك مصر رؤيا غامضة تتعلق بسنوات من الرخاء يعقبها قحط شديد، فعجز مستشاروه عن تفسيرها ،حينها، تذكر الناجي يوسف، فأرسل إليه الملك، ففسر له الرؤيا بدقة، ووضع خطة اقتصادية ناجحة لإنقاذ البلاد من المجاعة.

أعجب الملك بحكمته، فطلب لقاءه، لكن يوسف رفض الخروج حتى يتم التحقيق في قضيته. وبالفعل، أقرّت نسوة المدينة، وعلى رأسهن زوجة العزيز، ببراءته.

خرج يوسف من السجن مكرمًا، وعيّنه الملك مسؤولًا عن خزائن البلاد، فكان تدبيره محكمًا، مما جعل مصر مقصدًا للجائعين من أنحاء الأرض ،وكان من بين هؤلاء إخوته الذين لم يعرفوه، فجاؤوا يطلبون الطعام. تعامل معهم بحكمة، وطلب منهم إحضار شقيقه بنيامين، وعندما عادوا به، دبّر يوسف خطة لاحتجازه، فاتهمه بالسرقة، مما دفع الإخوة إلى التوسل للإفراج عنه.

لم يتحمل يعقوب عليه السلام خبر احتجاز ابنه الثاني، فاشتد حزنه حتى فقد بصره من كثرة البكاء، لكنه لم يفقد الأمل، فأمر أبناءه بالعودة إلى مصر والبحث عن يوسف وأخيه.

عندما عاد الإخوة إلى يوسف مستعطفين، كشف لهم عن هويته، فصُدموا بندم شديد على ما اقترفوه في حقه. لكنه سامحهم بكرم الأنبياء، وأرسل قميصه إلى والده ليعود إليه بصره ،وما إن وصله القميص، حتى استعاد بصره بقدرة الله.

رحل يعقوب وأبناؤه إلى مصر، حيث اجتمع شمل الأسرة أخيرًا، وسجد الجميع ليوسف سجود تكريم، فتحققت رؤياه التي رآها طفلًا. وقف يوسف عليه السلام في لحظة امتنان، شاكرًا الله على نعمه، طالبًا أن يتوفاه على الإسلام، ويُلحقه بالصالحين، ليكون ختام رحلته شهادة على أن الصبر والإيمان هما مفتاح الفرج والنصر.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى