وعي رقمي وبحث علمي ذكي… أبرز محاور ندوة الذكاء الاصطناعي في معهد البحوث
أشرف مفيد: الذكاء الاصطناعي ليس رفاهية بل ضرورة معرفية

كتبت/ نهى عبد السلام
في ظل الطفرة الرقمية المتسارعة وتنامي تأثير الذكاء الاصطناعي في مختلف مجالات الحياة، نظم معهد البحوث والدراسات العربية، التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو)، ضمن موسمه الثقافي لعام 2025، محاضرة بعنوان: “توظيف الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي في الوطن العربي”.، قدمها الإعلامي أ. أشرف مفيد، مؤسس ورئيس تحرير موقع “بوابة مصر الآن”، وخبير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وقد أدارت الندوة وأشرفت على تنظيمها أ.د. ريم عادل، رئيس قسم بحوث ودراسات الإعلام بالمعهد وأستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، حيث شددت في كلمتها الافتتاحية على أهمية هذه اللقاءات العلمية التي تربط بين التكنولوجيا والإعلام والبحث الأكاديمي، مؤكدة أن توعية الباحثين بمستجدات الذكاء الاصطناعي لم تعد خيارًا بل ضرورة حتمية.
في البداية ركز مفيد على ضرورة التعرف على الفرق بين “تعلم الآلة” و”التعلم العميق”، مُبيناً أن تعلم الآلة (Machine Learning) هو المرحلة التي يتم فيها تدريب الأنظمة على محاكاة اللغة الطبيعية للبشر من خلال نماذج لغوية ضخمة مثل ChatGPT. أما “التعلم العميق” (Deep Learning) فهو امتداد أكثر تطوراً يعتمد على قدرة الآلة على التعلم الذاتي من التجارب السابقة وتكرار الأنماط اللغوية.
كما أشار إلى مفهوم “التعلم المعزز” (Reinforcement Learning) بوصفه أحد أشكال الذكاء الاصطناعي التي تسمح للنظام بتحسين نفسه تدريجياً من خلال التفاعل مع المستخدمين. فعلى سبيل المثال، إذا استخدم الشخص عبارات محددة في التحية، فإن النظام يتعلم منها ويستخدمها لاحقاً في السياقات المناسبة.
واوضح خبير الذكاء الاصطناعي ان هناك لبس لدى بعض الناس في فهم الذكاء الاصطناعي، قائلاً: “البعض يظن أن ChatGPT غبي لأنه يجيب بشكل خطأ لبعض الاوامر، لكنه ببساطة تلقى أمراً غير دقيق”. ومن هنا، شدد على أهمية “هندسة الأوامر” (Prompt Engineering) بوصفها الأداة الحقيقية للتحكم في مخرجات الذكاء الاصطناعي.
وقدم مفيد شرحاً مفصلاً حول أهمية بناء الأوامر الذكية والمحددة، مشبهاً ذلك بإعطاء عنوان دقيق لوصول الرسالة إلى الهدف. وأوضح أن أي انحراف بسيط في صيغة السؤال قد يؤدي إلى “هلوسة” من النموذج، وهي حالة يقدم فيها النظام إجابات غير دقيقة بسبب عدم وضوح الطلب.
كما أكد أعلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي دون إتقان هندسة الأوامر يؤدي إلى نتائج سطحية وغير دقيقة، مشدداً على ضرورة الالتزام بستة عناصر أساسية لصياغة الأوامر، وصفها بـ”أذكار الصباح والمساء” نظراً لأهميتها اليومية في التعامل مع هذه الأدوات، ولخص الأوامر الست في النقاط التالية:
تقمص الشخصية: على المستخدم أن يعرّف نفسه بوضوح للنظام، كأن يقول: “أنت مساعد علمي متخصص في الإعلام”. تحديد الهدف بوضوح: هل المطلوب تقرير صحفي، أم مقال علمي، أم بودكاست؟ تحديد السياق الزمني أو الجغرافي إن لزم. ضبط النبرة والأسلوب: أكاديمي، رسمي، ودي…إلخ. طلب الهيكلة والتنظيم: كأن يُطلب تقديم فقرة تمهيدية، ثم عرض، ثم خاتمة. ضبط نطاق البحث: لتفادي الإجابات العامة أو الممتدة لسنوات بعيدة عن المطلوب.
مؤكدا على أن “الآلة مجرد أداة، والعبقرية تكمن في العقل البشري الذي يديرها”. وأوضح أن النماذج اللغوية قادرة على إنتاج محتوى متقدم فقط عندما تُقاد بأوامر دقيقة مبنية على فهم حقيقي للموضوع.
كما استعرض مفيد تجاربه الخاصة في تطوير محتوى إذاعي وتلفزيوني باستخدام الذكاء الاصطناعي، مشيراً إلى أن النجاح لم يكن بسبب الأدوات نفسها، بل بسبب طريقة استخدامها وفهم إمكاناتها وحدودها.
واختتم الندوة بأن الذكاء الاصطناعي لا يُغني عن التفكير البشري، بل يُعزز نتائجه ويوفر الوقت والجهد عندما يُستخدم بالشكل الصحيح. ودعى الحضور إلى التدريب العملي المستمر على أدوات الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على هندسة الأوامر كعنصر حاسم للتميّز في العصر الرقمي.