Site icon وعي بلس

الهروب من الواقع.. راحة مؤقتة وليس حلا للمشكلات

كتبت / نهى عبد السلام

في عالم يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم، أصبحت المواقف الصعبة جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، سواء كانت ضغوط العمل، المشاكل العائلية، أو حتى التحديات الشخصية، ورتم الحياة السريع، فإننا نواجه باستمرار مواقف تتطلب منا المواجهة واتخاذ القرارات، ولكن ماذا يحدث عندما نختار الهروب بدلًا من المواجهة؟ هل هو سلوك طبيعي أم أنه تحوّل إلى إدمان يعيق نمونا وتطورنا؟

يُعتبر الهروب من المواقف الصعبة رد فعل طبيعي في بعض الأحيان، فهو جزء من غريزة البقاء التي تدفعنا لتجنب الألم أو الخطر، عندما نشعر بالتهديد، سواء كان جسديًا أو عاطفيًا، فإن المخ يُطلق إشارات تدفعنا إما للانغماس في الصراعات أو الهروب، ولكن في عصرنا الحالي، حيث أصبحت التهديدات أقل جسدية وأكثر عاطفية ونفسية، تحوّل الهروب إلى سلوك متكرر قد يتحول إلى عادة.

وكانت اشكال الهروب في الماضي، اما بالابتعاد جسديًا عن الموقف بشكل مؤقت لكي يساعد على تهدئة الأعصاب قبل اتخاذ قرار عقلاني، او اللجوء الى النوم لفترات طويلة، أما اليوم، فقد اتخذ أشكالًا أكثر تعقيدًا، منها إدمان وسائل التواصل الاجتماعي، او الاستقالة من العمل بدلًا من حل المشكلات، أو مغادرة المنزل عند حدوث خلاف، أو حتى اللجوء إلى المواد المخدرة والمشروبات الكحولية، فقد أصبح الهروب متعدد الأوجه، حتى مشاهدة المسلسلات لساعات طويلة أو قضاء الوقت في ألعاب الفيديو تعد  شكلاً من أشكال الهروب من الواقع، وأيضا الهروب العاطفي لعدم مواجهة المشاعر الحقيقية أو الهروب من العلاقات عند ظهور مشاكل.

ومن الأسباب التي تجعلنا نختار الهروب متعددة، قد نلجأ إليه لأننا نشعر بأننا غير قادرين على التعامل مع الموقف، وقد يكون ذلك بسبب نقص الثقة في النفس، أو الخوف من الفشل، أو حتى الخوف من مواجهة المشاعر المؤلمة، وفي أحيان أخرى، يكون اختيار الهروب لتجنب الصراعات أو المواجهات التي نعتقد أنها ستسبب لنا الإرهاق النفسي.

على الرغم من أن الهروب قد يبدو حلًا سريعًا لتجنب الألم، إلا أن عواقبه على المدى الطويل يمكن أن تكون شديدة، عندما نختار الهروب باستمرار، فإننا نعيق نمونا الشخصي والعاطفي، نبقى عالقين في دائرة من التجنب، مما يزيد من شعورنا بالعجز ويفاقم المشاكل بدلًا من حلها، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي الهروب إلى تفاقم العلاقات الاجتماعية، حيث يصبح التواصل مع الآخرين أكثر صعوبة عندما نرفض مواجهة الخلافات أو المشاكل.

ولكي نستطيع التعامل مع سلوك الهروب يجب ان نعترف بوجوده ونكون صادقين مع أنفسنا بأننا نختار الهروب بدلًا من المواجهة، بعد ذلك، نحاول فهم الأسباب التي تجعلنا نلجأ لهذا السلوك، هل هو الخوف من الفشل؟ أم تجنب الصراعات مع الآخرين؟ وبعد تحديد الدوافع، نستطيع بعد ذلك العمل على تطوير استراتيجيات أكثر فعالية للتعامل مع المواقف الصعبة، ومن المهم أيضًا أن نتعلم كيفية تحمل المسؤولية عن مشاعرنا وأفعالنا، بدلًا من الهروب، يمكننا أن نتعلم كيفية إدارة التوتر والقلق من خلال القراءات الكثيرة عن هذه الحالة او التأمل، التمارين الرياضية، أو حتى التحدث مع صديق مقرب أو اللجوء لمعالج نفسي.

في النهاية، الهروب ليس هو الحل الأمثل لأنه يمنحنا راحة مؤقتة، ولكنه ليس الحل الدائم، لان الحياة مليئة بالتحديات، ومواجهتها هي الطريقة الوحيدة للنمو والتطور، بدلًا من الهروب.

 

Exit mobile version