التنمر الرقمي: هل تحولت حرية التعبير إلى سلوكيات سامة لإذاء الاخريين؟
كتبت/ نهى عبد السلام
أصبحت السلوكيات الفردية في العصر الرقمي المرآة التي تعكس أخلاقيات الأفراد وتعاملهم مع العالم من حولهم، ومع انتشار منصات التواصل الاجتماعي، ظهرت ظاهرة التنمر الإلكتروني كإحدى أبرز مظاهر السلوكيات المؤذية للمجتمعات، من خلال استخدام تلك المنصات كوسيلة للهجوم على الآخرين، دون مراعاة لقيم الاحترام أو الذوق العام، حيث يتعرض الأفراد لمضايقات وإساءات على منصات التواصل الاجتماعي، مما يترك أثراً عميقاً على صحتهم النفسية والاجتماعية، تُعرّف هذه الظاهرة بأنها استخدام التكنولوجيا للإيذاء النفسي أو المعنوي، سواء من خلال الإهانة، التهديد، أو نشر شائعات مغرضة.
وفي السنوات الأخيرة، لوحظ تزايد موجات التنمر التي تستهدف المسؤولين والشخصيات العامة، خاصة بعد المؤتمرات أو الخطابات المهمة او الحوارات التي تتم مع المسئولين لمناقشة قضايا معينة، ولكن يتمحور هذا التنمر حول السخرية من العبارات أو التصرفات او تغير في الحديث واظهاره بشكل يعبر عن السخرية، مع تجاهل الرسائل الجوهرية التي يهدف اليها الخطاب او الحوار لتوعية الجمهور، هذه الظاهرة لا تعبر فقط عن إساءة استخدام التكنولوجيا، بل تُظهر افتقاراً للوعي بأهمية القضايا المطروحة وتأثيرها على مستقبل المجتمع.
فقد تحوّلت منصات التواصل الاجتماعي، التي كان من المفترض أن تكون فضاءً للتواصل وتبادل الأفكار، إلى ساحة للتنمر والهجوم غير المبرر، ويتداول البعض صوراً وتعليقات تفتقر إلى الذوق والأخلاق، مما يعكس انحداراً واضحاً في سلوكيات بعض مستخدمي هذه المنصات، هذه التصرفات لا تؤذي الأفراد فقط، بل تمثل تهديداً للنسيج المجتمعي، حيث تؤدي إلى تشتيت الانتباه عن القضايا المهمة وإشاعة أجواء من السلبية.
ومن أبرز أسباب تفشي التنمر الإلكتروني، الفراغ الاجتماعي الذي يعاني منه البعض، إلى جانب التأثير السلبي لما يُعرف بـ “اللجان الإلكترونية”، التي تستهدف تغييب وعي الشباب، هذه المجموعات تسعى لتحويل الانتباه عن الأمور الجوهرية إلى قضايا سطحية، مما يسهم في إضاعة الطاقات وتشويه الأولويات.
وتتطلب مكافحة التنمر الإلكتروني دوراً مجتمعياً مشتركاً يبدأ من الأسرة والمؤسسات التعليمية، وصولاً إلى الجهات المسؤولة عن إدارة منصات التواصل الاجتماعي، من المهم تعزيز الوعي لدى الشباب بأهمية الاحترام المتبادل، واستخدام التكنولوجيا بطريقة إيجابية تسهم في بناء المجتمع، بدلاً من هدمه.