آدم عليه السلام.. السقوط الذي قاد إلى النهوض

في جنةٍ لا يحدها سوى أمر واحد، عاش آدم عليه السلام أول اختبار له مع الطاعة والمعصية، حيث كان كل شيء مباحًا له إلا شجرة واحدة، جعلها الله حدًا فاصلاً بين الامتثال لأمره والانقياد لوسوسة الشيطان. لم يكن إبليس ليستسلم لطرده من الرحمة الإلهية، فخدع آدم بوعد زائف، قائلاً: “هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ”، فتردد آدم لحظة، وكانت تلك اللحظة كافية ليقع في المعصية، فينقلب النعيم إلى خروج محتوم من الجنة، إيذانًا ببداية مرحلة جديدة في الوجود.
لكن العبرة لم تكن في السقوط بحد ذاته، بل في التعامل معه. فبمجرد أن أدرك آدم خطأه، لم يكابر أو يبرر، بل سارع إلى التوبة قائلاً: “رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ”، فقبل الله توبته، لكنه أنزله إلى الأرض ليبدأ رحلة استخلاف البشر، متعلمًا أن السقوط ليس نهاية، بل فرصة للنهوض من جديد.
على الجانب الآخر، كان موقف إبليس مغايرًا تمامًا، إذ لم يعترف بخطئه، بل ألقى باللوم على الله نفسه، متعهدًا بإغواء البشر، ليصبح الفرق بينه وبين آدم درسًا خالدًا للبشرية: ليس الخطأ هو المشكلة، بل الاستسلام له.
قصة آدم عليه السلام ليست مجرد رواية من الماضي، بل انعكاس لكل تجربة إنسانية مع الذنب، فكلما ضعُف الإنسان وسقط، يبقى أمامه خياران: إما أن يعترف ويصلح شأنه كما فعل آدم، أو يتمادى في العناد كما فعل إبليس ، والفرق بين النهوض والضياع يكمن دائمًا في قرار الإنسان نفسه.